علم التجويد : وهو علم مهم يعرف أهميته من تعلمه .. به يستطيع قارئ القرآن أن يرتله بطريقة سليمة .. وبه يستطيع السامع أن ينصت للقرآن ويفهم معانيه .. وبه يكتمل جمال اللغة العربية ..
ولا يقتصر التجويد على أحكام الغنة والإدغام .. والمد .. والإظهار والإخفاء .. .. ولكن يشمل أيضا النطق الصحيح للحروف .. لأننا لانقرأ القرآن كلمة كلمة بل حرفاً حرفاً .. فمن الأمور المهمة التي بنبغي أن نراعيها عند التجويد ترقيق الحروف المرققة مثل الباء والتاء .. و تفخيم الحروف المفخمة مثل الخاء والضاد والقاف ..
وإذا لم نفعل ذلك قد يختلف المعنى ؛ بل قد ينقلب إلى ضده
فلقد حث الشارع الحكيم في آياته الكريمة وأحاديثه الشريفة حثاً بالغاً على الاهتمام الكبير بقراءة القرآن الكريم بل وبقراءته قراءة مرتلة جميلة ، ووعد عليها بأعظم الأجر والمثوبة والخير في الدنيا والآخرة .
من هنا كانت مزايا وفضائل التجويد من أعظم المرغبات في التسابق إلى الاهتمام به ، فمن هذه المزايا مايلي :-
1- أنه مرتبط أشد الارتباط بقراءة كلام الله تعالى وحسبك بذلك أهمية وفضلاً .
2- هو عبادة لله وقربة من أعظم القربات .
3- التجويد شعار إسلامي تميز به الأذن صوت القرآن الكريم عن غيره من الكلام مثله في ذلك مثل اللحية والسواك والأذان وغيرها من الشعائر الإسلامية .
4- الذي يتلو القرآن الكريم بالتجويد يحصل له تلذذ في قراءته لأن التجويد يجعل القراءة تلامس شفاف قلبه بهذا الصوت الجميل.
5- معلوم أن الذي يحب أحداً أو شيئاً فإنه يكثر من ذكره ، فمن باب أولى أن الذي يقرأ القرآن الكريم بالتجويد فإن الدافع لذلك هو بإذن الله تعالى حب الله سبحانه وكذلك حب رسوله صلّ الله عليه وسلم .
6- يحب الناس أن يقلدوا ويعملوا مثل العظماء والمشهورين ، ولن يجد أحد أحداً يقلده ويعمل مثله خير من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ولك أن تتصور شعورك وإحساسك عند ما تعمل عملاً سبق وأن عمله أعظم الأعظمين .
7- إن كان لكل علم نظام خاص به فالقرآن الكريم يمتاز عن باقي العلوم بأن له مجموعة أنظمة تختص به وليس نظاماً واحداً ، فهناك نظام لكتابة حروفه ، وهناك نظام لقراءة كلماته ونظام لأداء حروفه ... والتجويد من أعظم معجزات القرآن الكريم .
8- تتميز أنظمة القرآن الكريم بأنها أنظمة معجزة لأنها ربانية إلهية وليست بشرية ، لذا فهي معجزة خالدة لن يستطيع أي بشر أن يأتي حتى بأقل منها .
9- لقد قام التجويد بمهمة حفظ كثير من لهجات ولغات العرب التي اندثرت وبادت ولولا التجويد لما عرفنا بعض تلك اللهجات واللغات .
10- يوضح النطق التجويدي فروقات بين معاني كثير من الكلمات والتي لولا التجويد لما أصبح التمييز سهلاً بدونه .
11- كذلك يوضح النطق التجويدي ويميز بين كثير من الحروف المتشابهة والمتقاربة والتي لولا أحكام المخارج والصفات لاشتبهت كثير من الحروف ببعضها .
كما أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين المعاني ونطق بعض أحكام الحروف حيث تعطي بعض الأحكام دلالات خاصة ، بالإضافة إلى أن هنالك أحكام يتوقف حكمها على الوقف والابتداء فيها ، حيث لابد من مراعاة أحكام الوقف والابتداء وإلا تغير الحكم والمعنى .
12- أمر الشارع الحكيم بالتغني بقراءة القرآن الكريم وتجميل وتزيين الصوت عند التلاوة وحث على ذلك بأعظم الأجر ليكون دافعاً وحافزاً للاستكثار من قراءته .
13- إن مجرد القراءة العادية لكتاب الله الكريم فيها خير كبير ، أما إذا كانت القراءة مجودة مرتلة فإن ذلك مما يؤدي إلى خشوع القلب ، وهذا الخشوع قد وعد الله صاحبه بالفلاح والإيمان .
14- إن القراءة المجودة تميز درجة المسلم في الآخرة وفضله ، كما أنها تبين مدى اهتمام المسلم بكتاب الله في الدنيا ، فالذي يقرأ القرآن الكريم قراءة عادية مثل قراءة الصحف والمجلات ليس مثل القارىء المجود وقد بينت الأحاديث الشريفة فضل ذلك .
15- إن القراءة المجودة المرتلة فيها تذوق جمالي وإحساس عاطفي وذوق فني يساعد على تهذيب الأخلاق والشعور .
16- كما أن الاهتمام بالتجويد والنطق الصحيح أثناء القراءة يؤدي بالتالي إلى الإنصات والاستماع المأمور به شرعا ً .
17- إن رحمة الله قريب من المحسنين وقريب ممن يستمع وينصت إلى كلام الله وإلى من يقرؤه ، ومن باب أولى من يقرؤه مرتلاً مجوداً .
18- تساعد قراءة القرآن الكريم بالتجويد على التدبر والفهم للمعاني والأحكام الشرعية والدنيوية الموجودة في الآيات القرآنية .
19- من أهم عوامل تدريب الذاكرة والذكاء أنك تراعي الأحكام أثناء القراءة بشكل مستمر .
20- إن الشفاء كل الشفاء والراحة النفسية وطمأنينة القلوب والدواء لكل الأمراض في قراءة كتاب الله ، فكيف إذا قرأته مرتلاً .
أهمية التجويد :-
بقي أن تعلم علم اليقين بأن من أهمية التجويد أن الله سبحانه وتعالى لم يكتف بتوجيه الأمر الإلهي لرسوله صلى الله عليه وسلم بالترتيل ، وإن كان هذا فخراً كبيراً وشرفاً عالياً له ، بل إنه عز وجل نسب الترتيل لنفسه هو حيث قال عز من قائل : ( ورتلناه ترتيلاً ) فنلاحظ هنا الأمور التالية :-
1- أن الله سبحانه نسب الترتيل إليه عز شأنه .
2- أن الله سبحانه نسب الترتيل إليه بصيغة الجمع وذلك للتعظيم من شأن الترتيل .
3- أن الله سبحانه نسب الترتيل بصيغة الماضي للتأكيد بثبوت ذلك وحدوثه منذ القدم.
4- أن الله سبحانه وتعالى أكد فعل الترتيل بالمصدر لنفس الفعل .
5- أن الله سبحانه وتعالى وجه الأمر لرسوله صلى الله عليه وسلم بالترتيل وهو أمر لكل مسلم ومسلمة ومقترن أيضاً بالتأكيد .
لذا يرى جمهور القراء وجوب العمل بالتجويد لظاهر الأدلة ، بينما يرى جمهور الفقهاء أنهسنة ، وفي كلتا الحالتين على المسلم أن يبادر إلى إتباع ما فيه مرضاة الله سبحانه ورسوله صلّ الله عليه وسلم
يسر وسهولة التجويد :-
لقد وعد الله بتيسير القرآن الكريم للذكر ، حيث أن من الملاحظ أن تلاوة وحفظ القرآن الكريم لا يحتاج إلى كبير فهم أو كثير ذكاء أو بالغ جهد في حفظه وتجويده ، فإن الرسول صلّ الله عليه وسلم كان أمياً ومعظم صحابته كانوا كذلك ، بل وكان منهم الأعاجم ، كل ما يحتاجه ذلك هو الاستعانة بالله وتعاهد القرآن والإكثار من تلاوته .
ولو علمنا أن الإمام الأول من أئمة القراءة وهو الإمام نافع كان من أصبهان ، بل أن معظم أئمة القرآن كانوا ليسوا عرباً لتبين لنا تصديق ذلك .
وفي هذا دلالة واضحة وبرهان بين على أن القرآن الكريم وتجويده سهل على من سهله الله وعلى من استعان بالله وأكثر من ذكر الله تلاوة القرآن الكريم وتعلم تجويده .
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته ، وأن يرزقنا تلاوة كتابه آناء الليل وأطراف النهار وأن يجعله شاهداً وشافعاً لنا .
معنى التجويد لغة واصطلاحا، وحكمه، وموضوعه، وفضله، وغايته.
التـجـويـد:
لغة: التحسين. تقول: جودت الشيء إذا حسنته.
واصطلاحا: إعطاء كل حرف حقه ومستحقه.
وحق الحرف: إخراجه من مخرجه متصفا بصفاته الذاتية اللازمة له، كالجهر، والشدة، والاستعلاء، والغنة، وغيرها، فإن هذه الصفات المذكورة وغيرها من الصفات اللازمة لا تنفك عن الحرف.
ومستحقه: صفاته العارضة الناشئة عن الصفات اللازمة، كالتفخيم فإنه ناشئ عن الاستعلاء، وكالترقيق فإنه ناشئ عن الاستفال.
حكمه: العلم به فرض كفاية، والعمل به فرض عين على كل مسلم ومسلمة.
وقد ثبتت فرضيته بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب: فقوله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا أي: جوده تجويدا، وقد جاء عن علي -كرم الله وجهه- في قوله تعالى: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا أنه قال: "الترتيل هو تجويد الحروف، ومعرفة الوقوف"، وقد أكد الله الأمر بالمصدر اهتماما به وتعظيما لشأنه.
فكان النبي -صلّ الله عليه وسلم- يعلم أصحابه القرآن كما تلقاه من جبريل، ولقنهم إياه مجوداً مرتلا ووصل إلينا –أيضا- بهذه الكيفية المخصوصة.
وقد جاء عنه -صلّ الله عليه وسلم- أحاديث كثيرة تدل على وجوب تجويد القرآن، منها ما روى عن ابن مسعود عن علي -رضى الله عنهما- قال: " إن رسول الله -صلّ الله عليه وسلم- يأمركم أن يقرأ كل رجل منكم كما عُلِّم" .
وأما الإجماع: فقد اجتمعت الأمة المعصومة من الخطأ على وجوب التجويد من زمن النبي -صلّ الله عليه وسلم- إلى زماننا، ولم يختلف فيه عن أحد منهم، وهذا من أقوى الحجج.
موضوعه: الكلمات القرآنية.
فضله: أنه من أشرف العلوم لتعلقه بأشرف الكتب وأجلها.
غايته: صون اللسان عن اللحن في كتاب الله –تعالى-.
والمراد باللحن هنا الخطأ، والميل عن الصواب، وهو قسمان: جلي، وخفي.
فالجلي: هو خطأ يطرأ على الألفاظ؛ فيخل بعرف القراءة، سواء أخل بالمعنى أم لم يخل، فضم تاء لفظ أَنْعَمْتَ في قوله تعالى: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ يعتبر خطأ مخلا بالمعنى؛ لأن التاء حينئذ أصبحت ضميراً للمتكلم مع أنها في الآية الكريمة مفتوحة وهي ضمير للمخاطب.
ورفع هاء لفظ الجلالة في قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ يعتبر خطأ غير مخل بالمعنى، وإنما سمى جلياً؛ لأنه ظاهر يشترك القراء وغيرهم في معرفته.
حكم اللحن الجلي: اللحن الجلي بنوعيه حرام إجماعاً.
والخفي: هو خطأ يطرأ على الألفاظ؛ فيخل بالعرف، ولا يخل بالمعنى كترك الغنة، وقصر الممدود، ومد المقصور.
وإنما سمى خفياً لاختصاص علماء هذا الفن بمعرفته.
حكم اللحن الخفي: الصحيح أن اللحن الخفي حرام كذلك.
مراتب القراءة
للقراءة ثلاث مراتب:
الأولى: الترتيل: وهو القراءة بتؤدة واطمئنان، وإخراج كل حرف من مخرجه، مع إعطائه حقه ومستحقه، مع تدبر المعاني وتفهمها.
الثانية: الحدر: وهو سرعة القراءة مع مراعاة القواعد التجويدية.
الثالثة: التدوير: وهو مرتبة متوسطة بين الترتيل والحدر، وهذه المراتب الثلاث مجموعة في البيت الآتي:
حــدر وتدويــر وتــرتيل تـرى
جميعهـــا مراتبا لمــن قرا
الاستعاذة
صيغتها:
الصيغة المختارة "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" موافقة لآية "النحل" وهي قوله جل وعلا فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ
ويجوز الزيادة على هذه الصيغة، أو النقص عنها، أو الإتيان بصيغة أخرى مغايرة مما صح عند أئمة القراءة.
فمما ورد في الزيادة: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم".
ومما ورد في النقص: "أعوذ بالله من الشيطان" فقط.
محلها:
الاستعاذة: إنما تكون قبل القراءة، وهذا هو الصحيح، وقيل: بعدها لظاهر الآية، وهو ضعيف لأن تقدير الآية: فإذا أردت القراءة فاستعذ كما في قوله تعالى: إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا أي: إذا أردتم القيام إلى الصلاة.
حكمها:
هي مستحبة عند الأكثر، وقيل: واجبة.
حالاتها:
لها ست حالات : حالتان يجهر بها فيهما، وأربع حالات يسر بها فيها، فيجهر بها القارئ إذا كان هناك من يسمعه، أو في ابتداء الدرس، ويسر بها إذا أسر قراءته، أو كان في الصلاة، أو كان خاليا سواء أقرأ سرا أم جهرا، أو كان يقرأ وسط جماعة يتدارسون القرآن، ولم يكن هو المبتدئ بالقراءة.
ملاحظة:
إذا قطع القارئ القراءة لعارض ضروري كسعال، أو لكلام يتعلق بالقراءة لم يعد التعوذ بخلاف ما إذا قطعها إعراضا عنها، أو لكلام أجنبي ولو رداً لسلام فإنه يعيده.
البسملة :
إذا ابتدأت بأول سورة من سور القرآن الكريم فلا بد من الإتيان بالبسملة ما عدا أول "براءة"، وتسمى سورة "التوبة" –أيضا.
وإذا ابتدأت بأول سورة "التوبة" فيمتنع الإتيان بالبسملة؛ وذلك لنزول هذه السورة بالسيف.
وإذا ابتدأت بما بعد أوائل السور ولو بكلمة فأنت مخير بين الإتيان بالبسملة وبين عدم الإتيان بها.
وهل "براءة" كذلك؟ جوَّز بعضهم الإتيان بالبسملة وتركها كغيرها من السور، ومنع الجعبري البسملة في أي جزء من أجزائها تبعاً لأولها.
أوجه كل من الاستعاذة والبسملة
للاستعاذة أربعة أوجه في بدء كل سورة، ما عدا "براءة":
الأول: قطع الجميع، أي: قطع الاستعاذة عن البسملة، والبسملة عن أول السورة.
الثاني: قطع الاستعاذة مع وصل البسملة بأول السورة.
الثالث: وصل الاستعاذة بالبسملة واقفاً عليها مبتدئاً بأول السورة.
الرابع: وصل الجميع.
وأما في أول براءة فلك وجهان فقط، وهما:
1. قطع الاستعاذة عن أول السورة.
2. وصل الاستعاذة بأول السورة، وقد علمت مما تقدم أن البسملة ممتنعة أول "التوبة".
وأما إذا ابتدأت بأجزاء السور أي: بما بعد أولها ولو بكلمة، فللاستعاذة ستة أوجه؛ لأنك مخير بين البسملة وبين عدمها.
فإذا أتيت بالبسملة جاز لك الأوجه الأربعة السابقة.
وإذا لم تأت بها جاز لك الوجهان الجائزان في أول "التوبة".
وللبسملة بين السورتين ثلاثة أوجه:
الأول: قطع الجميع.
الثاني: قطع آخر السورة عن البسملة مع وصل البسملة بأول السورة.
الثالث: وصل الجميع.
وأما وصل آخر السورة بالبسملة مع الوقف عليها فلا يجوز؛ لأن البسملة جعلت لأوائل السور لا لأواخرها.
وهذه الأوجه الثلاثة جائزة بين كل سورتين، سواء أكانتا مرتبتين أم غير مرتبتين.
ويستثنى من ذلك بين الأنفال والتوبة، فإن بينهما لجميع القراء ثلاثة أوجه وهي: الوقف، والسكت، والوصل بدون بسملة.
وبيــن الأنفــال وبيــن التوبــة
قـــــف واسكتن وصــل بلا بسملة
مخارج الحروف
هذا الباب من أهم أبواب علم التجويد، وكذا باب صفات الحروف اللازمة الذي سنتكلم عنه فيما بعد -إن شاء الله-، فمن أتقن هذين البابين نطق بأفصح اللغات، وهي لغة العرب التي نزل بها القرآن الكريم على قلب سيد المرسلين محمد -صلّ الله عليه وسلم-.
وقبل ذكر عدد مخارج الحروف يجدر بنا أن نعرف كلا من المخرج والحرف لغة واصطلاحاً فنقول:
المخرج لغة: محل الخروج.
واصطلاحاً: محل خروج الحرف.
الحرف لغة: الطرف.
واصطلاحا: صوت اعتمد على مخرج محقق أي: على جزء معين من أجزاء الحلق، أو اللسان، أو الشفتين، أو الخيشوم، أو اعتمد على مخرج مقدر وهو الجوف.
والمراد بالحرف هنا حرف الهجاء لا حرف المعنى المذكور في كتب العربية.
عدد مخارج الحروف
للعلماء في عدد مخارج الحروف ثلاثة مذاهب:
1. فذهب الخليل بن أحمد وأكثر النحويين، وأكثر القراء، ومنهم
ابن الجزري إلى أنها سبعة عشر مخرجاً، وهذا هو المختار.
2. وذهب سيبوبه ومن تبعه، ومنهم الشاطبي إلى أنها ستة عشر مخرجاً.
3. وذهب قطرب والجرمي والفراء إلى أنها أربعة عشر مخرجا.
فمن جعلها سبعة عشر مخرجاً جعل في الجوف مخرجاً واحدا، وفي الحلق ثلاثة، وفي اللسان عشرة، وفي الشفتين اثنين، وفي الخيشوم واحدا.
ومن جعلها ستة عشر أسقط الجوف، ووزع حروفه وهي حروف المد الثلاثة على بعض المخارج، فجعل الألف من أقصى الحلق مع الهمزة، والياء من وسط اللسان مع غير المدية، والواو من الشفتين مع غير المدية.
ومن جعلها أربعة عشر أسقط مخرج الجوف كسيبويه، وجعل مخارج اللسان ثمانية، بجعل مخرج اللام والنون والراء مخرجاً واحدا.
ونحن نتبع المذهب الأول الذي اختاره ابن الجزري.
وهذه المخارج السبعة عشر تسمى المخارج الخاصة يجمعها خمسة مخارج تسمى المخارج العامة وهي: الجوف، والحلق، واللسان، والشفتان، والخيشوم.
وإذا أردت أن تعرف مخرج أي حرف فسكنه أو شدده وهو الأظهر متصفاً بصفاته، وأدخل عليه همزة الوصل، وأصغ إليه فحيث انقطع الصوت كان مخرجه المحقق، وحيث يمكن انقطاع الصوت في الجملة كان مخرجه المقدر.
وقد رتب العلماء مخارج الحروف باعتبار الهواء الخارج من داخل الرئة متصعداً إلى الفم، فيقدمون في الذكر ما هو أقرب إلى ما يلي الصدر، ثم الذي يليه وهكذا حتى ينتهوا إلى مقدم الفم.
ولنشرع في بيانها مرتبة كذلك فنقول:
المخرج الأول: الجوف، وهو الخلاء الداخل في الفم والحلق ويخرج منه أحرف المد الثلاثة، وهي الواو الساكنة المضموم ما قبلها، والياء الساكنة المكسور ما قبلها، والألف، ولا تكون إلا ساكنة، ولا يكون ما قبلها إلا مفتوحا.
وتسمى هذه الأحرف بالجوفية لخروجها من الجوف، والهوائية لانتهائها بانتهاء الهواء.
الثاني: أقصى الحلق، أي: أبعده مما يلي الصدر، ويخرج منه حرفان، الهمزة فالهاء، فالفاء هنا للترتيب.
فأقصى الحلق مخرج كلي منقسم إلى مخرجين جزئيين متقاربين، يخرج من أولهما مما يلي الصدر الهمزة، ومن ثانيهما الهاء.
الثالث: وسط الحلق، ويخرج منه العين فالحاء المهملتان.
فوسط الحلق كذلك مخرج كلي منقسم إلى مخرجين جزئيين متقاربين، ويخرج من أولهما العين، ومن ثانيهما الحاء.
الرابع: أدنى الحلق، أي: أقربه مما يلي الفم. ويخرج منه الغين فالخاء
فأدني الحلق -أيضاً- مخرج كلي منقسم إلى مخرجين جزئيين متقاربين، يخرج من أولهما الغين، ومن ثانيهما الخاء.
ويعلم مما تقدم أن في الحلق ثلاثة مخارج كلية، وكل مخرج منها فيه مخرجان جزئيان متقاربان، وكل مخرج يخرج منه حرف، وتسمى هذه الأحرف الستة حلقية لخروجها من الحلق.
الخامس: أقصى اللسان، أي: أبعده مما يلي الحلق، وما يحاذيه من الحنك الأعلى، ويخرج منه القاف.
السادس: أقصى اللسان وما يحاذيه من الحنك الأعلى تحت مخرج القاف، ويخرج منه الكاف.
هذا، وإنما لم نجعل أقصى اللسان مخرجاً كلياً منقسما إلى مخرجين جزئيين كأقصى الحلق؛ لأن أقصى اللسان فيه طول، وبين موضعي القاف والكاف بعد بخلاف أقصى الحلق.
ويقال لهذين الحرفين لهويان نسبة إلى اللهاة، وهي لحمة مشتبكة بآخر اللسان.
السابع: وسط اللسان وما يحاذيه من الحنك الأعلى، ويخرج منه ثلاثة أحرف: الجيم فالشين فالياء غير المدية.
وتسمى هذه الأحرف الثلاثة شجرية؛ لخروجها من شجر الفم، أي: منفتحه.
الثامن: إحدى حافتي اللسان، وما يحاذيها من الأضراس العليا، ويخرج منه الضاد المعجمة، وخروجها من الجهة اليسرى أسهل، وأكثر استعمالا ومن اليمنى أصعب وأقل استعمالا ومن الجانبين معا أعز وأعسر، وقد قيل في تحديد الحافة إن أولها مما يلي الحلق ما يحاذي وسط اللسان بعيد مخرج الياء، وآخرها ما يحاذي آخر الطواحن من جهة خارج الفم.
التاسع: ما بين حافتي اللسان معا بعد مخرج الضاد، وما يحاذيهما من اللثة أي: لحمة الأسنان العليا، وهي لثة الضاحكين والنابين والرباعيتين، والثنيتين العليين، ويخرج منه اللام، وقيل خروجها من الجهة اليمنى أمكن عكس الضاد.
العاشر: طرف اللسان وما يحاذيه من لثة الأسنان العليا تحت مخرج اللام قليلا ويخرج منه النون.
الحادي عشر: طرف اللسان مع ظهره مما يلي رأسه، ويخرج منه الراء، وهي أدخل إلى ظهر اللسان من النون.
وتسمى هذه الأحرف الثلاثة التي هي اللام والنون والراء ذلقية لخروجها من ذلق اللسان أي: طرفه.
الثاني عشر: طرف اللسان مع أصل الثنيتين العلييين، ويخرج منه الطاء فالدال المهملتان، فالتاء المثناة الفوقية، وتسمى هذه الأحرف نطعية لخروجها من نطع الفم، أي: جلدة غاره.
الثالث عشر: طرف اللسان فويق الثنيتين السفليين. ويخرج منه الصاد، فالسين، فالزاي.
ويقال لهذه الثلاثة أسلية لخروجها من أسلة اللسان، أي: ما دق منه.
الرابع عشر: طرف اللسان مع طرفي الثنيتين العلييين، ويخرج منه الظاء، فالذال، فالثاء، ويقال لهذه الثلاثة لثوية، لخروجها من قرب اللثة.
الخامس عشر: بطن الشفة السفلي مع طرفي الثنيتين العلييين، ويخرج منه الفاء.
السادس عشر: الشفتان معاً، ويخرج منهما الباء الموحدة فالميم، فالواو غير المدية بيد أن الواو بانفتاحهما قليلا والباء والميم بانطباقهما، وانطباقهما مع الباء أقوى من انطباقهما مع الميم.
وهذه الأحرف الأربعة، أعنى الفاء، والباء، والميم، والواو تسمى شفوية لخروجها من الشفة، وإن كان بمشاركة غيرها في الفاء.
السابع عشر: الخيشوم، وهو أقصى الأنف، ويخرج منه حرفا الغنة، وهما النون والميم في حالة إخفائهما أو إدغامهما بغنة، فيتحولان عن مخرجهما الأصلي إلى الخيشوم في هاتين الحالتين، ويخرجان منه فقط، أما في حالة تشديدهما مثل: إن، وثم، فيخرجان من مخرجهما الأصلي السابق الذي هو طرف اللسان بالنسبة للنون، والشفتان بالنسبة للميم مع خروجهما من الخيشوم. وأما في حالة تحريكهما، أو إسكانهما مظهرتين فإنهما يخرجان من مخرجهما الأصلي فقط، فلهما ثلاث حالات.
بيان أسنان الفم للحاجة إلى معرفتها
هي في أكثر الأشخاص اثنتان وثلاثون:
منها الثنايا : وهي الأسنان الأربع المتقدمة، اثنتان فوق، واثنتان تحت.
فالرباعيات: بفتح الراء، وتخفيف الياء، وهي أربع كذلك خلف الثنايا، اثنتان فوق، واثنتان تحت -أيضاً-.
فالأنياب: وهي -أيضاً- أربع خلف الرباعيات.
فالأضراس: وهي عشرون ضرساً، عشرة في الفك الأعلى، خمسة بالجانب الأيمن، وخمسة بالجانب الأيسر، وعشرة في الفك الأسفل كذلك، وهذه الأضراس مقسمة إلى ثلاثة أقسام:
الأول: الضواحك: وهي أربعة تلي الأنياب
الثاني: الطواحن: وهي اثنا عشر تلي الضواحك، ستة فوق في كل جانب ثلاثة، وستة تحت كذلك.
الثالث: النواجذ: وهي أربعة بعد الطواحن، اثنتان فوق، واثنتان تحت، ويسمى الناجذ ضرس الحلم، وضرس العقل، وقد نظمها بعضهم فقال:
للإنســان أســنان ثنايــا رباعيـه
وأنيــاب كــل كـالضواحك أربــع
طواحـن ضعـف السـت أربعـة أخر
نواجــذ فاعلمهــا إذ العلــم أرفـع