يقولون أن المخ مثله مثل أي عضو بشري ، يزداد نشاطا بالعمل ويتعطل بالكسل حسب قانون التقادم الصارم الذي لا يترك آلة ولا عضو إلا وقام بنفيه إلى أصقاع الخمول ما لم يتحرك ويعمل بجد ونشاط .
فهل للمخ عضلات ؟ هل يلزم الإشتراك في نادي لل(جيم) ودفع اشتراك شهري محترم نظير ذلك التمرين ؟
أنا في الحقيقة لن أناقش قضية وجود عضلات للمخ من عدمها وأترك ذلك للأخوة والأخوات أقحاح علوم التشريح (الأناتومي).
ما يهمني هو كيف أمرن عضلات مخي؟؟؟
المخ …
ذلك الجزء من جسم الإنسان الذي حير القدماء وأبهر المعاصرين والله أعلم ما يفعله بالقادمين! يقوم المخ بعمليات حسابية معقدة وفي وقت قياسي وبأعداد هائلة. يحتوي هذا المخ على ملايين الخلايا ويقوم بتخزين بلايين المعلومات.
يعمل مثل المساح الضوئي ، يحفظ كل ما يمر خلال اليوم، من لحظات سعيدة وحزينة، أناس، سيارات، كلمات، أصوات، إلخ.
هذا المخ الذي نحمله يساعدنا في عملية التعلم والتطور والبناء والنماء.
ألا يستحق منا وقفة احترام؟ الإحترام الذي يستحقه لأنه عمل على تطوير البشرية بهذا الكم الهائل من التكنولوجيا والأداب والعلوم والحضارات التي بناها الإنسان باستخدام مخه.
كيف نحترمه؟
بسيطة، بالتمرين! كل ما يحتاجه هذا المخ هو التمرين لكي يصبح أكثر نشاطا وفاعلية…
سوف أسألكم سؤال بسيطا لكنه يعتبر تمرينا رهيبا للمخ…
هل تستطيع أن تتذكر بسهولة الأشياء الموجودة داخل ثلاجتك في آخر مرة فتحت فيها الثلاجة؟
هل تستطيع ذكر…..
عنصر واحد؟
ثلاثة عناصر؟
خمسة عناصر؟
كل العناصر الموجودة؟….
إذا فشلت في تذكر أكثر من عنصرين فأنت تعاني من مشكلة حقيقية..هل تعرف ما هي؟ كلا, ليست مشكلة النسيان، بل مشكلة شراء أشياء موجودة أصلا في ثلاجتك….أشياءا زائدة عما تحتاجه فعلا…أقصد أنك تشتري مثلا الحليب أو البقدونس اللذان كانا موجودين في الثلاجة لكنك تتذكر أنك لم ترهما في الثلاجة.
هل تعرفون ما سبب هذه المشكلة ؟
السبب هو أننا لا ننظر إلى ما في الثلاجة بل نرى ما في الثلاجة…وثمة فرق شاسع بين النظر والرؤية! هل تعلمون أنه 99% مما نفعله هو أننا (نرى) الأشياء ولا (ننظر) إليها! فنحن حينما نرى الأشياء، لا نخزنها في الذاكرة بل نقول للدماغ أن هذه معلومات لا ضرورة لها فيقوم الدماغ باعتبارها كخلفية مزعجة للمشهد.
أما حينما ننظر إلى الشيء، فإننا نقوم بتخزين هذا الشيء في الذاكرة ونقول للدماغ بأن هذا الشيء هام “من فضلك إهتم به وخزنه في الذاكرة”.
كيف يمكننا التفريق بين النظرة وبين الرؤية ؟
هذا يحتاج تمرين ومثال عملي.. ويحضرني في هذا المجال طريقة تسمى طريقة النقرة أو الطرقعة (Flick) للسيد غريغ فروست والتي يقول عنها أنها طريقة لزيادة معدل الإنتباه ومدة إستبقاء المعلومات في المخ. هذه الطريقة هي التي سوف تعلمنا كيف نفرق بين النظرة والرؤية.
فما هي طريقة Flick ؟
يقول السيد فروست إن هذه الطريقة عبارة عن أخذ لقطات فوتوغرافية دماغية في تتابع سريع. ولفهم هذه المصطلحات النفسية المعقدة (كعادة علماء النفس في تعقيد المبسط)، دعونا نأخذ هذا التمرين من أحد تجارب السيد فروست.
جرب التالي:
قف أمام نافذة المكتب أو البيت، وراقب الأشياء خلف النافذة (في الشارع أو الحديقة المقابلة للنافذة) لمدة خمسة عشرة (15) ثانية. لا ترى الأشياء بل قم بالنظر إليها وقم يتخزينها في الذاكرة…
كيف؟؟؟
هذا هو بيت القصيد…أنظر إلى شيء خارج النافذة (عصفور مثلا)، ثم أغمض عينك لحظيا ثم افتحها كما تفعل الكاميرا الفوتوغرافية ثم انظر إلى شيء آخر والتقط له صورة فوتوغرافية دماغية ثم الذي يليه ثم الذي يليه…تذكر أن تركز على صفات خاصة بالشيء الذي تنظر إليه مثل لون شكل حجم لكي تسهل عليك تمييز ذلك الشيء عن الأشياء الأخرى، وتذكر…………………….فقط ثانية واحدة لكل شيء واحد، ولا تستغرق أكثر من 15 ثانية لمراقبة الأشياء خارج النافذة.
ما الذي حدث الآن ؟؟؟
إن دمج عينيك ومخك في تسجيل كل شيء يتم ملاحظته يدعم عملية استيعاب الأشياء الموجودة خارج النافذة والتي تم تخزينها في الذاكرة خلال 15 ثانية.
إن هذه الطريقة تمكن مخك من بناء طبقات من الصفات الخاصة بكل شيء تنظر إليه مما يساعدك في تذكر أي شيء تراه من خلال استدعاء صفة من صفاته كما يفعل الحاسوب! ربما يبدو هذا الحديث معقدا، لكن أنا أنصح بالتالي:
قم بتجربة هذا التمرين يوميا من خلال تحويله إلى لعبة ملاحظة تقوم فيها بمراقبة تفاصيل دقيقة في أي مكان تكون فيه.
هذا سوف يساعدك على أن تكون شخصا متصفا بالإهتمام بالتفاصيل وهي من الميزات الهامة للموظف الناجح والإنسان الناجح في الحياة.
وأمثلة على التمرين قد تكون في حضور حفل:
أثناء تواجدك في حفل، إلى جانب اهتمامك بالتهام أكبر كمية ممكنة من الحلويات الشهية! لاحظ أي شيء مثل ديكور جميل، أصناف الطعام أو مكونات الحلويات، أشخاص ترغب في تذكرهم
التعرف على شخص جديد.
إذا تعرفت على شخص للمرة الأولى فكي لا تقع في المشكلة الكونية المتمثلة في نسيان اسمه بعد أن يدير ظهره، قم بملاحظة وتخزين المعلومات الهامة عنه، مثل لون شعره، شكل أنفه، لون عينيه وقم بربط هذه المعلومات باسم ذلك الشخص..مثل أحمد شعره أسود وأنفه صغير ولون عينيه بنفتحي!!! (البنفتحي لون من اختراعي)…(لا تحاول معرفة مقاس حذائه..صدقني لن يفيدك في تذكر اسمه! مزحة ثقيلة!)
إن التكرار اليومي لطريقة النقرة (Flick) للأشياء المحيطة بك سوف تساعدك في:
* تقوية إحساسك بالوعي
* زيادة قوة ملاحظتك وتحسين ذاكرتك
لا أقول أنك سوف تستعيد قدرتك على حفظ أسماء الأشخاص الذين تقابلهم خلال يومين ، لكن يلزم تكرار هذا التمرين كل يوم ، فربما يحتاج الواحد منا إلى شهر كامل حتى يشعر بتحسن في ذاكرته.